سورة الشورى - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)}
يقال: قبلت منه الشيء، وقبلته عنه. فمعنى قبلته منه: أخذته منه وجعلته مبدأ قبولي ومنشأه. ومعنى: قبلته عنه: عزلته وأبنته عنه. والتوبة: أن يرجع عن القبيح والإخلال بالواجب بالندم عليهما والعزم على أن لا يعاود؛ لأنّ المرجوع عنه قبيح وإخلال بالواجب. وإن كان فيه لعبد حق: لم يكن بد من التفصي على طريقه، وروى جابر أن أعرابياً دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللَّهم إني أستغفرك وأتوب إليك، وكبر، فلما فرغ من صلاته قال له علي رضي الله عنه: يا هذا، إنّ سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين، وتوبتك تحتاج إلى التوبة. فقال: يا أمير المؤمنين، وما التوبة؟ قال: اسم يقع على ستة معان: على الماضي من الذنوب الندامة، ولتضييع الفرائض الإعادة، وردّ المظالم، وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته {وَيَعْفُواْ عَنِ السيئات} عن الكبائر إذا تيب عنها، وعن الصغائر إذا اجتنبت الكبائر {ويعلم ما تفعلون}. قرئ بالتاء والياء: أي: يعلمه فيثيب على حسناته، ويعاقب على سيئاته.


{وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)}
{وَيَسْتَجِيبُ الذين ءامَنُواْ} أي يستجيب لهم، فحذف اللام كما حذف في قوله تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ} [المطففين: 3] أي يثيبهم على طاعتهم ويزيدهم على الثواب تفضلاً، أو إذا دعوه استجاب دعاءهم وأعطاهم ما طلبوا وزادهم على مطلوبهم. وقيل: الاستجابة: فعلهم، أي يستجيبون له بالطاعة إذا دعاهم إليها {وَيَزِيدُهُمْ} هو {مِن فَضْلِهِ} على ثوابهم.
وعن سعيد بن جبير: هذا من فعلهم: يجيبونه إذا دعاهم.
وعن إبراهيم بن أدهم أنه قيل له: ما بالنا ندعو فلا نجاب؟ قال: لأنه دعاكم فلم تجيبوه، ثم قرأ: {والله يَدْعُو إلى دَارِ السلام} [يونس: 25]، (ويستجيب الذين آمنوا).


{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)}
{لَبَغَوْاْ} من البغي وهو الظلم، أي: لبغى هذا على ذاك، وذاك على هذا، لأنّ الغنى مبطرة مأشرة، وكفى بحال قارون عبرة. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «أخوف ما أخاف على أمّتي زهرة الدنيا وكثرتها» ولبعض العرب:
وَقَدْ جَعَلَ الْوَسْمِيَّ يَنْبُتُ بَيْنَنَا *** وَبَيْنَ بني رُومَانَ نَبْعاً وَشَوْحَطَا
يعني: أنهم أحيوا فحدّثوا أنفسهم بالبغي والتفانن. أو من البغي وهو البذخ والكبر، أي: لتكبروا في الأرض، وفعلوا ما يتبع الكبر من العلو فيها والفساد. وقيل: نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الرزق والغنى. قال خباب بن الأرت: فينا نزلت، وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها {بِقَدَرٍ} بتقدير. يقال قدره قدراً وقدرا. {خَبِيرُ بَصِيرٌ} يعرف ما يؤول إليه أحوالهم، فيقدّر لهم ما هو أصلح لهم وأقرب إلى جمع شملهم، فيفقر ويغنى، ويمنع ويعطي، ويقبض ويبسط كما توجبه الحكمة الربانية. ولو أغناهم جميعاً لبغوا، ولو أفقرهم لهلكوا.
فإن قلت: قد نرى الناس يبغي بعضهم على بعض، ومنهم مبسوط لهم، ومنهم مقبوض عنهم؛ فإن كان المبسوط لهم لم يبغون، فلم بسط لهم: وإن كان المقبوض عنهم يبغون فقد يكون البغي بدون البسط، فلم شرطه؟ قلت: لا شبهة في أنّ البغي مع الفقر أقل ومع البسط أكثر وأغلب، وكلاهما سبب ظاهر للإقدام على البغي والإحجام عنه، فلو عم البسط لغلب البغي حتى ينقلب الأمر إلى عكس ما عليه الآن.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10